خليليّ لا واللّه ما من ملمة ... تدوم على حيّ وإن هي جلت
فإن نزلت يوما فلا تخضعن لها ... ولا تكثر الشكوى إذا النعل زلت
فكم من كريم قد بلى بنوائب ... فصار برها حتى مضت واضمحلت
وكم غمرة هاجت بأمواج غمرة ... تلقيتها بالصبر حتى تجلت
وكانت على الأيام نفسي عزيزة ... فلما رأت صبري على الذل ذلت
فقلت لها يا نفس موتي كريمة ... فقد كانت الدنيا لنا ثم ولت
ولتسهيل المصائب وتخفيف الشدائد أسباب إذا قارنت حزما وصادفت عزما هان وقعها وقل تأثيرها وضررها. فمنها استشعار النفس بما تعلمه من نزول الفنال وتقضي المسارّ وأن لها آجالا منصرمة ومددا منقضية إذ ليس للدنيا حال تدوم ولا لمخلوق فيها بقاء. وروى ابن مسعود رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال: «ما مثلي مثل الدنيا إلّا كمثل راكب مال إلى ظل شجرة في يوم صائف ثم راح وتركها». وسئل علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه عن الدنيا فقال: تغرّ وتضرّ وتمرّ وسأل بعض خلفاء بني العباس جليسا له عن الدنيا فقال: إذا أقبلت أدبرت وقال عمرو بن عبيد: الدنيا أمد والآخرة أبد.
وقال أنوشروان: إن أحببت أن لا تغتم فلا تقتن ما به تهتم فأخذه بعض الشعراء فقال:
ألم تر أن الدهر من سوء فعله ... يكدّر ما أعطى ويسلب ما أسدى
فمن سرّه أن لا يرى ما يسوءه ... فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا
وأنشد بعض الحكماء
لحكيمنا بقراط خير قضية ... ووصية تنفي الهموم الركدا