شَهَادَة إمَامِنَا وَمَوْلَانَا وَسَيِّدُنَا أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيّ (عليه السلام) .
(مولد أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السلام) * وَلَد عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي شَهْرِ [رمضان وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى فِي شهر] رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ . وقُبِضَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِثَمَانٍ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَدُفِنَ فِي دَارِهِ فِي الْبَيْتِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ بِسِرٍّ مِنْ رَأَى وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا : حَدِيث [وقيل : سوسن] [1].أصول الكافي : ج 1 ص 478.
[1] وقيل اسمها جريبه وقيل سليل.
وَقَد سُقِي ذَلِك السُّمِّ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْن ، وَمَاتَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِثَمَانٍ مَضَيْنَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ ، وَلَه يَوْمِ وَفَاتِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً ، وَكَانَ أَعْظَمَ سَبَبٌ فِي هَلَاكِه مَا وشا بِهِ أُخُوَّةً جَعْفَر الْكَذَّاب حَيْثُ قَدْ نَازَعَ الْإِمَامَةِ كَمَا أَخْبَرَهُ النَّبِيّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ) الْأَوَّاب . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي خَبَرِ الْكَابِلِي الَّذِي رَوَاهُ عَنْ مَشَايِخِه الثقاه الْمُنْبِئُ عَنْ قِصَّتِهِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَاقَان وَزِيرَه وَوَلِي الضَّيَاع وَالْخَرَاج ، أَنَّ ابْنَ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَد اِعْتَلّ فَرَكِب مِنْ سَاعَتِهِ ، فَبَادَرَ إلَى دَارِ الْخِلَافَةِ ثُمَّ رَجَعَ مُسْتَعْجِلا وَمَعَهُ مِنْ خَدَمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، كُلُّهُمْ مِنْ ثقاته وَخَوَاصِّه فِيهِم نِحْرِيرٌ ، فَأَمَرَهُم بِلُزُوم دَار الْحُسَن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَتُعْرَف خَيْرِه وَحَالَة ، وَبَعَثَ إلَى نَفَرٍ مِنْ المطببين فَأَمَرَهُم بِالِاخْتِلَاف إلَيْه وَتَعَاهُدُه صَبَاحًا وَمَسَاءً ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ ، فَأَمَر المطببين بِلُزُوم دَارِه ، وَبَعَثَ إلَى قَاضِي الْقُضَاةِ فَأَحْضَرَه مَجْلِسِه وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْتَارَ مَنْ أَصْحَابِهِ عَشَرَةٌ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتُهُ وَوَرَعِه ، فأحضرهم فَبَعَث بِهِمْ إلَى دَارِ الْحَسَن (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَمَرَهُم بِلُزُومِه لَيْلًا وَنَهَارًا ، فَلَمْ يَزَالُوا هُنَاكَ حَتَّى تُوُفِّيَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَصَارَت سِرّ مِنْ رَأَى فِي صَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ وَبَعَث السُّلْطَانِ إلَى دَارِهِ ففتشها وَفَتَّش حِجْرِهَا وَخَتَمَ عَلَى جَمِيعِ مَا فِيهَا ، وَطَلَبُوا أَثَر وَلَدِه ، وجاؤوا بِنِسَاء يُعْرَفْن الْحَمْل فَدَخَلْن جَوَارِيَه يَنْظُر إلَيْهِنّ ، فَذَكَر .بَعْضُهُنّ أَنَّ جَارِيَةً هُنَاك بِهَا حَمْلٌ ، فَجَعَلْت فِي حِجْرِهِ وَوَكَّل بِهَا نِحْرِيرٌ الْخَادِم وَأَصْحَابِه وَنِسْوَةٌ مَعَهُم ، ثُمَّ أُخِذُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَهْيِئَة وَعُطِّلَت الْأَسْوَاق ، وَرَكِب بَنُو هَاشِمٍ والقواد وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ خَاقَان الْوَزِيرِ الْأَعْظَمِ وَسَارَ النَّاسُ إلَى جِنَازَتِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، وَكَانَت سِرّ مِنْ رَأَى شَبِيهَةٌ بالقيامة ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ تَهْيِئَتُه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بَعَث السُّلْطَانِ إلَى أَبِي عِيسَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ فَأَمَرَه بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا وَضَعَتْ الْجِنَازَةُ لِلصَّلَاة دَنَا أَبُو عِيسَى مِنْه ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فَعَرَضَه عَلَى بَنِي هَاشِمٍ ، والعبابسة ، والقواد ، وَالْكِتَاب ، وَالْقُضَاة ، والمعدلين ، وَقَال : هَذَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنُ الرِّضَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ عَلَى فِرَاشِهِ حَضَرَهُ مِنْ حَضَرَهُ مِنْ خَدَمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وثقافة فُلَانٌ وَفُلَانٌ ، وَمَن المطببين فُلَانٌ وَفُلَانٌ ، ثُمّ غَطَّى وَجْهَهُ وَأَمَر بِحَمْلِه مِنْ وَسَطِ دَارِهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، وَدُفِنَ فِي الْبَيْتِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ أَبُوهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) . فَلَمّا دُفِنَ أَخَذَ السُّلْطَانُ فِي طَلَبِ وَلَدِه ، وَأَكْثَر التَّفْتِيش فِي الْمَنَازِلِ وَالدُّور وتوقفوا عَن قِسْمَة مِيرَاثُه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، وَلَمْ يَزَلْ الَّذِين وَكُلُوا بِحِفْظ الْجَارِيَةُ الَّتِي تَوَهَّمُوا عَلَيْهَا بِالْحَمْل مُلَازِمِينَ لَهَا حَتَّى تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْحَمْل عِنْدَهُم ، فَقَسَمُوا مِيرَاثُه بَيْنَ أُمِّهِ وَأَخِيهِ جَعْفَر الْكَذَّاب ، وَادَّعَتْ أُمُّهُ وَصِيَّتُه ، وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي وَالسُّلْطَانِ وَبَطَل أَثَر وَلَدِه ، فَجَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ جَعْفَرٌ الْكَذَّاب إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَاقَان فَقَال : اجْعَلْ لِي مَرْتَبَة أَخِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَأَوْصَل لَك فِي كُلِّ سَنَةٍ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ فَزَبَرَه ، وَقَال : يَا أَحْمَقُ أَنَّ السُّلْطَانَ قَدْ جَرّدَ سَيْفَهُ فِي الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاك وَأَخَاك أَئِمَّة ، لِيَرُدَّهُم عَنْ ذَلِكَ ، فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ ، فَإِنْ كُنْت عِنْدَ شَيَّعَه أَبِيك وَأَخِيك إمَامًا فَلَا حَاجَةَ لَك بِالسُّلْطَان وَلَا غَيْرِ السُّلْطَانِ فِي ترتيبك مَرَاتِبِهِم ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُم بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ لَم تنلها بِنَا ، فاستقله عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ خَاقَان عِنْدَ ذَلِكَ واستضعفه ، وَأَمَرَ أَنْ يُحْجَبَ عَنْهُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِالدُّخُولِ حَتَّى مَاتَ ، وَخَرَج وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ يُطْلَب أَثَر وَلَدِه الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) .
وَفِي كِتَابِ الْإِكْمَالِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ : مَاتَ أَبُو . مُحَمَّد (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ ، وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَدْ كَتَبَ كَتْبًا كَثِيرَةً إلَى الْمَدِينَةِ ، وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْهُ سُنَّةٌ سِتِّينَ وَمِائَتَيْن مِنْ الْهِجْرَةِ ، وَلَمْ يُحْضِرْهُ إلاَّ صَقِيل الْجَارِيَة وعقيد الْخَادِمِ وَمِنْ عَلِمَ اللَّهِ غَيْرِهِمَا - وَهُوَ الْقَائِمُ عَجَّلَ اللَّهُ فَرْجَه - فَدَعَا بِمَاءٍ قَدْ غَلَى بالمصطكي ، فَجِئْنَا بِهِ إلَيْهِ ، فَقَال : ابدؤوا بِالصَّلَاة فوضئوني ، فَجِئْنَا بِالْمِنْدِيل فَبَسَطْنَاه فِي حِجْرِهِ وَأَخَذ ابْنِه الْمَاءِ مِنْ صَقِيل فَغَسَلَ بِهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً ، وَمَسَحَ عَلَى مُقَدِّمَةٍ رَأْسَه وَظَاهِر قَدَمَيْه مَسْحًا وَصَلَّى صَلَاةً الصُّبْحِ عَلَى فِرَاشِهِ ، وَأَخَذَ الْقَدَحَ لِيَشْرَب وَجَعَل الْقِدْح يَضْطَرِب وَيُضْرَب ثَنَايَاه وَيَدِه تَرْتَعِش ، فَأَخَذْت الْقَدَحَ مِنْ يَدِهِ وَمَضَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ سَاعَتِهِ وَدُفِنَ فِي دَارِهِ بِسِرٍّ مِنْ رَأَى إلَى جَانِبِ أَبِيه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، وَصَارَ إلَى كَرَامَةِ اللّهِ تَعَالَى وَقَدْ كَمُلَ عُمْرَة تِسْعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً . قَالَ وَقَالَ لِي ابْنُ عَبَّادٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، قُدِّمَت أُمّ أَبِي مُحَمَّدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَاسْمُهَا حَدِيثٍ حِينَ اتَّصَلَ بِهَا الْخَبَرُ إلَى سِرّ مِنْ رَأَى ، فَكَانَت لَهَا أقاصِيص يَطُولُ شَرْحُهَا مَعَ جَعْفَرٍ فِي مُطَالَبَتُه إيَّاهَا بِمِيرَاثِه وَسِعَايَتُه بِهَا إلَى السُّلْطَانِ ، وَكَشَف مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِسُتْرَة ، وَادَّعَت عِنْدَ ذَلِكَ صَقِيل أَنَّهَا حَامِلٌ فَحَمَلَت إلَى دَارِ الْمُعْتَمَد ، فَجَعَلْن نِسَاء الْمُعْتَمَد وَخَدَمِه وَنِسَاءٌ الْقَاضِي ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ يتعاهدن أَمْرُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَوَقْت ، إلَى أَنْ دَهَمَهُمْ أَمَر الصَّفَّار وَمَوْت عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنُ خَاقَان بَغْتَة ، وَخُرُوجِهِم مِنْ سِرٍّ مِنْ رَأَى وَأَمَر صَاحِب الزَّنْج بِالْبَصْرَة وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَفِي كِتَابِ الْإِكْمَالِ : عَنْ أَبِي الْأَدْيَان قَال : كُنْتُ أَخْدُمُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، وَاحْمِل كَتَبَهُ إلَى الْأَمْصَارِ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي عِلَّتِهِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، فَكَتَب مَعِي كُتُبًا وَقَال : امْضِ إلَى الْمَدَائِنِ وَالْأَمْصَار فَإِنَّك مستغيب خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَتُسْمَع الواعية فِي دَارِي وتجدني عَلَى الْمُغْتَسِلِ ، وَتَدْخُل إلَى سِرّ مِنْ رَأَى يَوْمَ الْخَامِسَ عَشَرَ فَتَرَى مَا أَخْبَرْتُك بِه . قَالَ أَبُو الْأَدْيَان : فَقُلْت : يَا سَيِّدِي إذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمِنْ آتِيه ؟ قَال : مِن طالبك بجوابات كَتْبِي فَهُو الْقَائِم قُلْت : زِدْنِي ، قَال : مَنْ أَخْبَرَ بِمَا فِي الْهِمْيَان فَهُو الْقَائِم بَعْدِي ، ثُمّ مَنَعْتَنِي هَيْبَتُه أَنْ أَسْأَلَهُ عَمَّا فِي الْهِمْيَان ، فَخَرَجَت بِالْكُتُب إلَى الْمَدَائِنِ وَأُخِذَت جواباتها ، وَدَخَلَت سِرّ مِنْ رَأَى يَوْمَ الْخَامِسَ عَشَرَ كَمَا قَالَ لِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَإِذَا الواعية فِي دَارِهِ وَإِذَا هُوَ عَلَى الْمُغْتَسِلِ ، وَإِذَا بِجَعْفَر أَخِيه بِبَابِ الدَّارِ وَالشِّيعَة مَنْ حَوْلَهُ يعزونه ويهنونه ، فَقُلْت فِي نَفْسِي : إنْ يَكُنْ هَذَا الْإِمَامِ فَقَدْ بَطَلَتْ الْإِمَامَة لِأَنِّي كُنْت أَعْرِفُه يَشْرَبُ الْخَمْرَ ويقامر فِي الْجَوْسَقِ وَيُلْعَب بِالطُّنْبُور ، فَتَقَدَّمْت إلَيْهِ فهنيته وَعَزَيْته فَلَم يَسْأَلُنِي عَنْ شَيّ . ثُمَّ خَرَجَ عَقِيد الْخَادِمِ فَقَالَ : يَا سَيِّدِي قَدْ كُفِّن أَخُوك فَقُم لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، فَدَخَل جَعْفَر وَالشِّيعَة مَنْ حَوْلَهُ يَقْدُمُهُم السَّمَّان وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَتِيل الْمُعْتَصِم الْمَعْرُوف بِسُلَّمِه ، فَتَقَدَّم جَعْفَر لِيُصَلِّيَ عَلَى أَخِيهِ فَلَمّا هَمّ بِالتَّكْبِير خَرَج صَبِيّ بِوَجْهِه سَمُرَة بِشَعْرِه قَطَط بِأَسْنَانِه فَلَج فَجَذَب رِدَاء جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ وَقَالَ :
تَأَخَّر فَأَنَا أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَبِي (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، فَتَأَخَّر جَعْفَرٍ وَقَدْ أَرْبَد واصْفَرَّ وَجْهُهُ ، فَتَقَدَّمَ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدُفِنَ إلَى جَانِبِ قَبْر أَبِيه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) . فَقَالَ لِي : يَا بَصْرِيٌّ هَات جَوَابَات الْكُتُبِ الَّتِي مَعَك ، فَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ وَقُلْت فِي نَفْسِي هَذِه اثْنَتَان ، بَقِي الْهِمْيَان ثُمَّ خَرَجْتُ إلَى جَعْفَرٍ الْكَذَّاب وَهُو يَزْفُر وَقَالَ لَهُ حَاجِزٌ الْوَشَّاء : يَا سَيِّدِي مِنْ الصَّبِيِّ لنقيم الْحُجَّةِ عَلَيْهِ ؟ فَقَال : وَاَللّهِ مَا رَأَيْته قَطُّ وَلَا أَعْرِفُهُ فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ إذْ قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ قُم فَسَأَلُوا عَنْ الْحَسَنِ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَعَرَفُوا بِمَوْتِه ، فَقَالُوا : فَمَن نعزي ، فَأَشَار النَّاسِ إلَى جَعْفَرٍ بْنِ عَلِيٍّ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَعَزَوْه وهنوه ، فَقَالُوا : مَعَنَا كَتَب وَمَال ، فَأَخْبَرَنَا مِمَّن الْكُتُب وَكَم الْمَال ، فَقَامَ وَهُوَ يَنْفُض أَثْوَابَه وَقَال : تُرِيدُون مِنَّا عِلْمِ الْغَيْبِ قَال : فَخَرَج الْخَادِمِ فَقَالَ : مَعَكُم كُتِبَ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٌ ، وهميان فِيهِ أَلْفَ دِينَارٍ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ مِنْهَا مَطْلِيَّة ، فدفعوا الْكُتُب وَالْمَال وَقَالُوا : الَّذِي وُجِّهَ بِك لِأَجْلِ ذَلِكَ فَهُوَ الْإِمَامُ ، فَدَخَل جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى الْمُوَفِّق وَكَشَفَ ذَلِكَ لَهُ ، فَوَجْه الْمُوَفِّق خِدْمَة فضيقوا عَلَى صَقِيل الْجَارِيَة وطلبوها بِالصَّبِيّ فَأَنْكَرَت وَادَّعَت حَمْلًا بِهَا لتغطي خَبَرُ الصَّبِيِّ ، فَسَلَّمْت إلَى ابْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ الْقَاضِي فَبَلَغَهُم مَوْت عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنُ خَاقَان وَخُرُوج صَاحِب الزَّنْج بِالْبَصْرَة ، فتشغلوا بِذَلِكَ عَنْ الْجَارِيَة ، فَخَرَجَتْ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وَفِي الْإِكْمَالِ عَنْ سَيَّارٍ الْمَوْصِلِيّ قَال : لَمَّا قُبِضَ سَيِّدُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ الْعَسْكَرِيّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، قَدِم قَوْمٌ مِنْ قُم وَمَعَهُم الْجَمَال وُفُود بِالْمَال الَّتِي كَانَتْ عَلَى الرَّسْمِ ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ خَبَر وَفَاتِه ، فَقِيلَ لَهُمْ أَنَّهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَدْ فُقِدَ فَقَالُوا : فَمَن وَارِثُه ؟ قَالُوا : أَخُوه جَعْفَر الْكَذَّاب بْنُ عَلِيٍّ الْهَادِي ، فَسَأَلُوا عَنْهُ قِيلَ لَهُمْ : أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مُتَنَزَّهًا وَرَكِب زَوْرَقًا وَلَحِقَه بالدجلة يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَمَعَه الْمُغَنِّين قَال : فتشاور الْقَوْمُ وَقَالُوا : لَيْسَ هَذِهِ صِفَةُ الْإِمَامِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : امْضُوا بِنَا حَتَّى نَرِدَ هَذِهِ الْأَمْوَالِ إلَى أَهْلِهَا ، فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ جَعْفَرُ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحِمْيَرِي : قِفُوا بِنَا حَتَّى يَرْجِعَ هَذَا الرَّجُلُ ونختبر أَمْرَهُ عَلَى الصِّحَّةِ . قَال : فَلَمَّا انْصَرَفَ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا : يَا سَيِّدَنَا نَحْنُ قَوْمٌ مِنْ قُم وَمَعَنَا جَمَاعَةٌ مِنْ الشِّيعَةِ وَغَيْرِهَا ، وَكُنَّا نَحْمِل إلَى سَيِّدِنَا الْحَسَنِ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) الْأَمْوَال فَقَال : وَأَيْنَ هِيَ ؟ فَقَالُوا : مَعَنَا فَقَالَ : احملوها إلَيّ فَقَالُوا : إنَّ لِهَذِهِ الْأَمْوَال خَبَرًا طَريفا قَال : فَمَا هُوَ ؟ فَقَالُوا : أَنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالِ تَجْمَع وَيَكُونُ فِيهَا مِنْ عَامِهِ الشِّيعَة الدِّينَار والديناران ثُمّ يَجْعَلُونَهَا فِي كِيسٍ وَيَجْتَمِعُون عَلَيْه ، وَكُنَّا إذَا أَوْرَدْنَا الْمَالَ إلَى سَيِّدِنَا أَبِي مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُول : جُمْلَة الْمَالِ كَذَا وَكَذَا دِينَارٍ مِنْ عِنْدِ فُلَانٍ كذاوكذا ، وَمَن عِنْدَ فُلَانٍ كذاوكذا ، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى أَسْمَاءٍ أَصْحَابِه كُلُّهَا وَيَقُول بِمَا عَلَى الْخَوَاتِيم مِن النَّقْشَ فَقَالَ جَعْفَرٌ : كَذَبْتُم تَقُولُونَ عَلَى أَخِي بِمَا لَا يَفْعَلُ ، هَذَا عُلِمَ الْغَيْبِ . فَلَمَّا سَمِعَ الْقَوْم كَلَامِه جَعَل يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَقَال : ألَّا تُحْمَلُون هَذَا الْمَالَ إلَيّ ؟ فَقَالُوا : إنَّا قَوْمٌ مُسْتَأْجِرُون وُكَلَاء لِأَرْبَاب الْمَال ، وَلَا نُسَلِّمُ الْمَالِ إلَّا بِالْعَلَامَاتِ الَّتِي كُنَّا نَعْرِفُهَا مِنْ سَيِّدِنَا الْحَسَنِ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ، فَإِنْ كُنْت الْإِمَام فَبَرْهَن لَنَا وَإِلَّا رَدَدْنَا الْمَالَ إلَى أَصْحَابِهِ يَرَوْنَ فِيهِ رَأْيِهِم .
قَال : فَدَخَل جَعْفَرٍ عَلَى الْخَلِيفَةِ وَكَانَ بِسِرٍّ مِنْ رَأَى ، فَاسْتَدْعَى عَلَيْهِم ، فَلَمَّا حَضَرُوا قَالَ الْخَلِيفَةُ : احْمِلُوا هَذَا الْمَالَ إلَى جَعْفَرٍ فَقَالُوا : أَصْلَحَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إنَّا قَوْمٌ مُسْتَأْجِرُون وَوُكَلَاء لِأَرْبَاب هَذِهِ الْأَمْوَالِ ، وَهِيَ وَدِيعَةٌ لِجَمَاعَة عِنْدَنَا وأمرونا ألَّا نُسَلِّمُهَا إلَّا بِعَلَامَة وَدَلَالَة ، وَقَدْ جَرَتْ هَذِهِ الْعَادَةِ مَعَ أَبِي مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَقَالَ الْخَلِيفَةُ : مَا الدَّلَالَة لِأَبِي مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ؟ قَالَ الْقَوْمُ كَانَ يَصِفُ لَنَا الدَّنَانِير وَأَصْحَابُهَا وَالْأَمْوَال وَكَم هِي ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ سَلَّمْنَا إلَيْهِ الْمَالَ ، وَقَد وَفَدْنَا عَلَيْهِ مِرَارًا فَكَانَتْ هَذِهِ علامتنا مَعَه (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ودلالتنا ، وَقَدْ مَاتَ فَإِنَّ يَكُنْ هَذَا الرَّجُلُ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ ، فَلْيَقُم لَنَا مَا كَانَ يُقِيمُ لَنَا أَخُوه وَإِلَّا رَدَدْنَاهَا عَلَى أَصْحَابِهَا . فَقَالَ جَعْفَرٌ : يَا أَمِيرَ إنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ يَكْذِبُون عَلَى أَخِي ، وَهَذَا عُلِمَ الْغَيْبِ . فَقَالَ الْخَلِيفَةُ : الْقَوْم رُسُلٌ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغ الْمُبِينُ ، قَال : فَبُهِت جَعْفَر وَلَم يَحِرْ جَوَابًا فَقَالَ الْقَوْمُ : يَقُول أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِإِخْرَاج أَمْرُهُ إلَى مَنْ يدبرنا حَتّى نَخْرُجَ مِنَ هَذِهِ الْبَلْدَةِ ، قَال : فَأَمَرَ لَهُمْ بنقيب فَأَخْرَجَهُم مِنْهَا . فَلَمَّا أَنْ خَرَجُوا مِنْ الْبَلَدِ خَرَجَ لَهُمْ غُلَامٌ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا كَأَنَّه خَادِم ، فَنَادَى يَا فُلَانُ بْنِ فُلَانٍ ، وَيَا فُلَانُ بْنِ فُلَانٍ أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ أَجِيبُوا مَوْلَاكُم ، فَقَالُوا : أَنْتَ مَوْلاَنَا ؟ فَقَال : مَعَاذَ اللَّهِ ، أَنَا عَبْدُ مَوْلَاكُم فَسِيرُوا إلَيْهِ قَالُوا : فَسَّرْنَا مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا دَار مَوْلَانَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَإِذَا وَلَدِه الْقَائِم (عَلَيْهِ السَّلَامُ) سَيِّدِنَا قَاعِدٌ عَلَى سَرِيرٍ كَأَنَّه فِلْقَة قَمَر عَلَيْهِ ثِيَابٌ خُضْر ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْنَا السَّلَامُ فَقَالَ : جُمْلَة الْمَالِ كذاوكذا دِينَارًا ، حَمَّلَ فُلَانٌ كَذَا ، وَلَمْ يَزَلْ يَصِف حَتَّى وَصْفٌ الْجَمِيع ، ثُمَّ وَصَفَ ثِيَابِنَا ورحالنا وَمَا كَانَ مَعَنَا مِنْ الدَّوَابِّ ، فَخَرَرْنَا سُجَّدًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شُكْرًا ، وَقَبِلْنَا الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمّ سَأَلْنَا عَمَّا أَرَدْنَا فأجابنا ، وَحَمَلْنَا إلَيْهِ الْأَمْوَالَ وَأَمَرَنَا الْقَائِم (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنْ لَا نَحْمِل إلَى سِرّ مِنْ رَأَى بَعْدَ هَذَا شَيْئًا مِنْ الْمَالِ ، وَأَنَّه يَنْصِب إلَيْنَا فِي بَغْدَادَ رَجُلًا نَحْمِل إلَيْهِ الْأَمْوَالَ ، وَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ التَّوْقِيعَات ، قَال : فَانْصَرَفْنَا مِنْ عِنْدِهِ ، وَدَفَعَ إلَى أَبِي الْعَبَّاسِ جَعْفَرُ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحِمْيَرِي شَيْئًا مِنْ الْحَنُوطِ وَالْكَفَن ، وَقَال : عَظَّمَ اللَّهُ أَجْرَكَ فِي نَفْسِك .قَال : فَمَا بَلَغَ أَبُو الْعَبَّاسِ عُقْبَة هَمْدَان حَتَّى تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ .وفيات الْأَئِمَّة الْمُؤَلِّف : مِنْ عُلَمَاءِ الْبَحْرَيْن والقطيف : ص 413 - 420 .