كِتَابِ أَبِى مُحَمّدٌ الْعَسْكَرِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى إِسْحَاقَ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّيْسَابُورِيّ
إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّيْسَابُورِيّ :
هُوَ ثِقَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمِمَّن كَانَت تُرَدُّ عَلَيْهِمْ التَّوْقِيعَات أَيْضًا . ثِقَةٌ ، مِنْ أَصْحَابِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، رِجَالٌ الشَّيْخ (6) وَعْدَه الْبَرْقِي ، فِي أَصْحَابِ الْعَسْكَرِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَقَال الْكَشِّيّ (470 - 475) : " حَكَى بَعْضُ الثِّقَاتِ بِنَيْسَابُور ، أَنَّهُ خَرَجَ لِإِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ ، مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوْقِيع : (يا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيل ، سترنا اللَّهُ وَإِيَّاكَ بِسُتْرَة ، وتولاك فِي جَمِيعِ أُمُورَك بِصُنْعِه . . . " وَتَقَدَّم التَّوْقِيع بِتَمَامِهِ فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنُ عَبْدَةَ .
سترنا اللَّهُ وَإِيَّاكَ بِسُتْرَة وتولاك فِي جَمِيعِ أُمُورَك بِصُنْعِه ، فُهِمَت كِتَابِك يَرْحَمُك اللَّهُ وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ أَهْلُ بَيْتٍ نَرِقُّ عَلَى أوليائنا وَنَسْر بِتَتَابُع إحْسَانُ اللَّهِ إلَيْهِمْ وَفَضْلِه لَدَيْهِم و نَعْتَد بِكُلّ نِعْمَة ينعمها اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ ، فَأَتَمَّ اللَّهُ عَلَيْك يَا إِسْحَاقَ وَعَلَى مَنْ كَانَ مِثْلَك - مِمَّنْ قَدْ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبَصَرَه بَصِيرَتِك - نِعْمَتِه . وَقَدَر تَمَام نِعْمَتِه دُخُول الْجَنَّة وَلَيْسَ مِنْ نِعَمِهِ وَإِنْ جَلَّ أَمْرِهَا وَعَظْم خَطَرِهَا إلَّا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ عَلَيْهَا مُؤَدّ شُكْرَهَا ، وَأَنَا أَقُولُ [1] الْحَمْدُ لِلَّهِ أَفْضَلَ مَا حَمِدَهُ حَامِدُه إلَى أَبَدَ الأَبَدِ بِمَا مَنَّ اللَّهِ عَلَيْك مِنْ رَحْمَتِهِ وَنَجَّاك مِنْ الْهَلَكَةِ وَسَهْل سَبِيلِك عَلَى الْعَقَبَة . وَايْمُ اللَّهِ أَنَّهَا [2] لِعُقْبَة كَؤُود ، شَدِيدٌ أَمْرِهَا ، صَعُب مَسْلَكُهَا ، عَظِيمٌ بلاؤها ، قَدِيمٍ فِي الزُّبُرِ الْأُولَى ذَكَرَهَا . وَلَقَدْ كَانَتْ مِنْكُمْ فِي أَيَّامِ الْمَاضِي عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى أَنْ مَضَى لِسَبِيلِهِ وَفِي أَيَّامِي هَذِهِ أُمُورٌ كُنْتُمْ فِيهَا عِنْدِي غَيْرُ محمودي الرَّأْي وَلَا مسددي التَّوْفِيق . فَاعْلَم يَقِينًا يَا إِسْحَاقَ أَنَّهُ مِنْ خَرَجَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلًا .
بَل رَحْمَةً مِنْهُ - لَا إلَهَ إلَّا هُوَ - عَلَيْكُم لِيُمَيِّز الْخَبِيثَ مِنْ الطِّيبِ وَلِيَبْتَلِي مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ، لتسابقوا إلَى رَحْمَةِ اللَّهُ ولتتفاضل مَنَازِلِكُم فِي جَنَّتِهِ ، فَفَرْض عَلَيْكُمْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْوِلَايَة وَجَعَلَ لَكُمْ بَابًا تَسْتَفْتِحُون بِه أَبْوَاب الْفَرَائِض وَمِفْتَاحًا إِلَى سَبِيلِهِ ، لَوْلَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَالْأَوْصِيَاء مِنْ وَلَدِهِ لَكُنْتُم حَيَارَى [6] كَالْبَهَائِم لَا تَعْرِفُون فَرْضًا مِنْ الْفَرَائِضِ وَهَلْ تَدْخُلُ مَدِينَة [7] إلَّا مِنْ بَابِهَا ، فَلَمَّا مَنَّ عَلَيْكُمْ بِإِقَامَة الْأَوْلِيَاء بَعْدَ نَبِيِّكُمْ ، قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ :
"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[8] " فَفَرْض عَلَيْكُم لِأَوْلِيَائِه حُقُوقا أَمَرَكُم بِأَدَائِهَا لِيَحِلّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ظُهُورِكُم مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَمْوَالَكُم ومآكلكم ومشاربكم ، قَالَ اللَّهُ :
"قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ [9] " وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ يَبْخَل فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاَللَّهُ الْغَنِيّ وَأَنْتُم الْفُقَرَاء ، لَا إلَهَ إلَّا هُوَ . وَلَقَد طَالَت الْمُخَاطَبَة فِيمَا هُوَ لَكُمْ وَعَلَيْكُمْ . وَلَوْلَا مَا هُوَ يُحِبُّ اللَّهَ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ مِنْ اللَّهِ عَلَيْكُمْ لِمَا رَأَيْتُم لِي خَطًّا وَلَا سَمِعْتُمْ مِنِّي حَرْفًا مِنْ بَعْدِ مُضِيِّ الْمَاضِي عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ مِمَّا إلَيْه معادكم [10] .
وَمِنْ بَعْدِ إقامتي لَكُم إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدَةَ [11] وَكِتَابِيّ الَّذِي حَمَلَهُ إلَيْكُم مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى النَّيْسَابُورِيّ وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى كُلِّ حَالٍ . وَإِيَّاكُمْ أَنْ تفرطوا فِي جَنْبِ اللَّهِ فتكونوا مِنْ الْخَاسِرِينَ . فَبُعْدًا وَسُحْقًا لِمَن رَغِبَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَلَمْ يَقْبَلْ مَوَاعِظ أَوْلِيَائِه . فَقَد أَمَرَكُمْ اللَّهُ بِطَاعَتِه وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَطَاعَة أُولِي الْأَمْرِ ، رَحِمَ اللَّهُ ضَعْفكُم وغفلتكم و وصبركم عَلَى أَمَرَكُمْ ، فَمَا أَغَر الْإِنْسَان بِرَبِّه الْكَرِيم ، وَلَو فُهِمَت الصُّمّ الصلاب بَعْضِ مَا هُوَ فِي هَذَا الْكِتَابِ لتصدعت [12] قَلِقًا وَخَوْفًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، وَرُجُوعًا إلَى طَاعَةِ اللَّهِ ، اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ " فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ثُمّ تَرِدُون إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[13] " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ . الْتَحَف ص 484 .
[2] فِي بَعْضِ النُّسَخِ " وَأَنَّهَا ايْمُ اللَّهِ " .
[3] فِي بَعْضِ النُّسَخِ " يَا ابْنَ إِسْمَاعِيلَ " .
[4] طَه 20 : 125-126 .
[5] تَاه يَتِيه : ضَلّ وَذَهَب مُتَحَيِّرًا .
[6] الْحَيَارَى - بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ - : جَمْع حَيْرَان .
[7] فِي بَعْضِ النُّسَخِ " قَرْيَة " .
[8] الْمَائِدَة 5 : 3 .
[9] الشُّورَى 42 : 23 .
[10] فِي بَعْضِ النُّسَخِ " معاذكم " .
[11] إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى النَّيْسَابُورِيّ كَانَا مِنْ أَصْحَابِ الْهَادِي وَالْعَسْكَرِيّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَرَوَى الْكَشِّيّ - رَة - بَعْض تَوْقِيعَات فِي حَقِّهِمَا .
[12] فِي بَعْضِ النُّسَخِ " لصدعت " .
[13] اقْتِبَاسٌ مِنْ الْآيَةِ الْوَارِدَةِ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ 9 : 106 .