وإذا كان الطبُّ الحديث قد اكتشف الجراثيم الممرضة والطفيليات المهلكة للإنسان في أواخر القرن الماضي،وبين أن تلوث الطعام والشراب بها هو من أهم أسباب إصابة الإنسان بعدد من الأمراض الخطيرة كالكوليرا والتيفوئيد والزحار(الزنطارية)والسل المعوي والديدان والتهاب الكبد وغيرها،ومن ثَمَّ فقد وضع علم الطب الوقائي عدداً من القواعد الصحية على الإنسان أن يلتزم بها ليضمن نظافة الطعام والشراب وسلامتهما من التلوث الجرثومي. فإن ديننا الحنيف قد وضع تلك التعاليم وأمر أتباعه الالتزام بها منذ أكثر من أربعة عشر قرناً(4).
والحق يقال أن التعاليم النبوية في تدبير الطعام والشراب كانت قمة في الدقة العلمية،وقمة في حرص المشرع العظيم على سلامة أتباعه ووقايتهم من شر الوقوع في براثن المرض.فقد أمر عليه الصلاة والسلام أن بغطى إناء الطعام وتوكأ قرب الشراب فلا يترك مكشوفاً للذباب والتراب،كما نهى عن أن يشرب من في الإناء أو أن ينفخ في الشراب حرصاً على سلامته من التلوث،وأمر بغسل اليدين قبل الطعام وبعده،وأمر بالأكل باليمين،ونهى عن الأكل باليسار التي خصصها للاستنجاء وغير ذلك من الأعمال الملوِّثةِ،كل ذلك ليضمن سلامة الطعام وعدم تلوثه بالجراثيم كما سنرى.