سجّلت واقعة بدر [1] نصرا مبينا للإسلام ، وفتحا عظيما للمسلمين ، وضربة حاسمة لأئمّة الكفر والضلال من الطغاة القرشيّين وجبابرتهم ، لقد أعزّ الله عبده ورسوله محمّد صلى الله عليه واله بواقعة بدر ، وأذلّ أعداءه ، وأظهر دينه ، ودفع كلمته ، وكان البطل البارز في تلك المعركة هو الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فقد كان سيفه منجل الموت الذي حصد رءوس المشركين ، وعتاة الملحدين من القرشيّين ... ونتحدّث ـ بإيجاز ـ عن بعض فصول هذه المعركة :
[1] بدر : موضع يقع بين مكّة والمدينة ، سمّي بهذا الاسم لأنّ فيه ماء لرجل يسمّى بدرا ، فسمّي الموضع به ـ مجمع البحرين 1 : 498.
استنجاد أبي سفيان بقريش :
كان أبو سفيان ــ قد خرج إلى الشام في تجارة له ومعه سبعون شخصا من قريش ، ولمّا فضت تجارتهم واشتروا من البضائع ما يريدون قفلوا راجعين إلى مكّة ، وعلم النبيّ صلى الله عليه واله بقدومهم فندب إليهم أصحابه لمصادرة بضائعهم وأموالهم ، وذلك لإضعافهم اقتصاديا حتى لا يتمكّنوا من مناجزته ، وعلم أبو سفيان ذلك فاستنجد بالقبائل القرشية وطلب منها حمايتهم وحماية بضائعهم وأموالهم ، فهبّت قريش لنجدته ، وسلك أبو سفيان طريقا غير الطريق العامّ فنجا من قبضة المسلمين ، وزحف النبيّ صلى الله عليه واله بمن معه من المسلمين لإلقاء القبض على أبي سفيان ، وعسكر بجيشه ببدر.
دعاء النبيّ للأنصار :
ونظر النبيّ صلى الله عليه واله إلى الأنصار وهم يتعاقبون في الحمل على النوق التي لم تكن تكفيهم ، فدعا لهم وقال :
« اللهمّ إنّهم حفاة فاحملهم ، وعراة فاكسهم ، وجياع فأشبعهم ، وعالة فأغنهم من فضلك ».
واستجاب الله تعالى دعاء نبيّه العظيم ، فما انتهت معركة بدر إلاّ وجد كلّ واحد منهم بعيرا معتليه ، واكتسى منهم كلّ عار ، وأصابوا الطعام من متاع قريش ، وأصابوا فداء الأسرى فاغتنى به كلّ عائل منهم [2].[2] إمتاع الأسماع 1 : 64.
إمتاع الأسماع ١ : ٦٤.
دعاء النبيّ على قريش :
وأنفق النبيّ صلى الله عليه واله ليله ساهرا يصلّي إلى جانب شجرة ، وقد نام جميع المسلمين إلاّ هو ، كما حدّث بذلك الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان يدعو الله تعالى بهذا الدعاء :
« اللهمّ هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحاربك وتكذّب رسولك ، اللهمّ فنصرك الّذي وعدتني ، اللهمّ أحفّهم [٣] الغداة ... » .السيرة النبوية ـ ابن هشام 1 : 923.
[3] أحفّهم : أي أهلكهم.
سقاية الإمام للجيش :
وأصاب الجيش الإسلامي ظمأ في بدر فانبرى الإمام عليه السلام إلى القليب وجاء بالماء حتى أروى المسلمين . مناقب آل أبي طالب 1 : 406.
النبي مع أصحابه :
وأخذ النبيّ صلى الله عليه واله يلهم أصحابه القوّة والنشاط قائلا لهم :« والّذي نفس محمّد بيده! لا يقاتلهم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلاّ أدخله الله الجنّة ». وبعثت هذه الكلمات في نفوسهم العزم ، فاندفعوا كالأسود لمناجزة أعداء الله.
المعركة :
بدأت المعركة صباح يوم الجمعة في اليوم السابع عشر من رمضان المبارك سنة ( 2 ه ) ، المصادف 15 كانون الثاني سنة 624 م ، وقد فتح القرشيّون باب الحرب ، فبرز منهم عتبة بن ربيعة وشيبة والوليد ، وهم أبطال قريش وطليعة فرسانهم ، وبرز إليهم فتيان من الأنصار فاحتقرهم عتبة وأخذته العزّة بالإثم فقال لهم : لا نريد هؤلاء ، ولكن نريد أن يبارزنا بنو أعمامنا من بني عبد المطّلب ، فندب الرسول صلى الله عليه واله لمبارزتهم عبيدة وعليّا وحمزة ، وبرز حمزة لعتبة ، وعبيدة لشيبة ، وعليّ للوليد [1].
أمّا الإمام عليّ وحمزة فكلّ منهما قتل صاحبه ، وأمّا عبيدة وعتبة بن ربيعة فقد اختلفا بضربتين ، وأثبت كلّ منهما سيفه في رأس صاحبه ، فكرّ عليه الإمام وحمزة بأسيافهما وتركاه جثة هامدة [2] ، واشتدّت الحرب ، وكان النبيّ صلى الله عليه واله من أشدّ الناس بأسا ومن أقرب جيشه إلى العدو ، وكان المسلمون يلوذون به كما حدّث بذلك الإمام عليه السلام [3] ، وبان الانكسار في صفوف القرشيّين وانهارت معنوياتهم وانهزموا شرّ هزيمة.
[1] سنن البيهقي 3 : 279.
[2] تاريخ الطبري 2 : 325.
[3] مسند أحمد بن حنبل 2 :64 ، رقم الحديث 654.
وأبدى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من البسالة والصمود ما لا يوصف ، فكان القوّة الضاربة في جيش الرسول صلى الله عليه واله ، فقد غاص في أوساط القرشيّين يحصد رءوسهم ويشيع فيهم القتل والدمار ، وقد بهرت ملائكة السماء من بسالته ، ونادى جبرئيل : « لا سيف إلاّ ذو الفقار [1] ، ولا فتى إلاّ عليّ » [2].
وكتب الله النصر المبين للإسلام على يد الإمام القائد الملهم العظيم الذي أذلّ القرشيّين وأخزاهم وألحق بهم الهزيمة والعار.
[1] سمّي هذا السيف بذي الفقار لأنّه كانت له فقرات كفقرات الظهر.
[2] كنز العمّال 3 : 154.
أسماء من قتلهم الإمام :
من المؤكّد أنّه لم يكن بيت من بيوت القرشيّين لم ينله سيف الإمام عليه السلام في تلك المعركة ، وهذه أسماء من حصد رءوسهم وهم :
1 ـ الوليد بن عتبة ، كان جريئا فتّاكا تهابه الرجال ، وهو أخو هند أمّ معاوية وزوجة أبي سفيان.
2 ـ حنظلة بن أبي سفيان.
3 ـ العاص بن سعيد ، وكان هولا تهابه الأبطال.
4 ـ نوفل بن خويلد ، وكان من أشدّ المشركين عداوة لرسول الله صلى الله عليه واله ، وكانت قريش تقدّمه وتعظّمه وتطيعه ، وهو من بني نوفل بن عبد مناف.
5 ـ زمعة بن الأسود.
6 ـ النضر بن الحارث بن كلدة من بني عبد الدار.
7 ـ طعيمة بن عدي بن نوفل ، كان من رءوس أهل الضلال.
8 ـ عمير بن عثمان بن كعب بن تيم عمّ طلحة بن عبيد الله.
9 ـ عثمان بن عبيد الله.
10 ـ مالك بن عبيد الله أخو عثمان.
11 ـ مسعود بن أميّة بن المغيرة من بني مخزوم.
12 ـ حذيفة بن أبي حذيفة بن المغيرة.
13 ـ قيس بن الفاكه بن المغيرة.
14ـ أبو قيس بن الوليد بن المغيرة.
15 ـ عمر بن مخزوم.
16 ـ الحارث بن زمعة.
17 ـ أبو المنذر بن أبي رفاعة.
18 ـ منبه بن الحجّاج السهمي.
19 ـ العاص بن منبه من بني سهم.
20 ـ علقمة بن كلدة.
21 ـ أبو العاص بن قيس بن عدي.
22 ـ معاوية بن المغيرة بن أبي العاص.
23 ـ لوذان بن ربيعة.
24 ـ عبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة.
25ـ حاجب بن السائب بن عويم.
26 ـ أوس بن المغيرة بن لوذان.
27 ـ زيد بن مليص.
28 ـ غانم بن أبي عويف.
29 ـ سعيد بن وهب حليف بني عامر.
30ـ معاوية بن عامر بن عبد القيس.
31ـ السائب بن مالك.
32 ـ عبد الله بن جميل بن زهير الحارث بن أسد.
33 ـ أبو الحكم بن الأخنس.
34ـ هشام بن أبي أميّة بن المغيرة.
أعيان الشيعة 3 : 98 ـ 99.
هؤلاء الذين حصد رءوسهم الإمام عليه السلام بسيفه في سبيل الإسلام.
وقوف النبيّ على قتلى بدر :
وقف النبيّ صلى الله عليه واله على قتلى بدر فتأمّلهم ، وتذكّر ما عاناه منهم من صنوف التنكيل والارهاق ، وخاطبهم بقوله :
« يا أهل القليب! يا عتبة بن ربيعة ، ويا شيبة بن ربيعة! ويا أميّة بن خلف! ويا أبا جهل بن هشام ... ».
وعدّد عصابة من الذين بالغوا في التنكيل به ، ثمّ قال لهم : « هل وجدتم ما وعد ربّكم حقّا؟ فإنّي قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا ».
وبهر أصحاب النبيّ صلى الله عليه واله من خطابه للقتلى فقالوا له :
يا رسول الله ، أتنادي قوما قد جيفوا؟
فأجابهم الرسول صلى الله عليه واله:
« وما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني » [2]. إنّ الأرواح لا تفنى ، وإنّما الأجسام تبلى ، وتعود إلى عنصرها الذي تكوّنت منه .
السيرة النبوية ـ ابن هشام 2 : 449 ـ 450.
حياة الرسول الاكرم محمد صلى الله عليه واله باقر القرشي: ج 3 ص 11 - 32.