مَوَاعِظ أَبَى مُحَمّدٌ الْعَسْكَرِيّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْعَسْكَرِيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَن لِلسَّخَاء مِقْدَارًا فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ سَرَفٌ ، وللحزم مِقْدَارًا فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَبُن ، وللاقتصاد مِقْدَارًا فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ بَخِل ، وللشجاعة مِقْدَارًا ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ تَهَوُّرٌ . كَفَاك أَدَبًا تجنبك مَا تَكْرَهُ مِنْ غَيْرِك ، احْذَر كُلّ ذُكِّي سَاكِنٌ الطَّرَف ، وَلَو عَقْل أَهْلِ الدُّنْيَا حزبت ، خَيْرٌ إِخْوَانَكَ مِنْ نَسِيَ ذَنْبِك إلَيْه . أَضْعَف الْأَعْدَاء كَيْدًا مَنْ أَظْهَرَ عَدَاوَتِه ، حَسَنُ الصُّورَةِ جَمَال ظَاهِر ، وَحُسْن الْعَقْل جَمَال بَاطِن ، مِنْ أَنَسٍ بِاَللَّه اسْتَوْحَش مِنْ النَّاسِ ، مَنْ لَمْ يَتَّقِ وُجُوهَ النَّاسِ لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ ، جُعِلَت الْخَبَائِثِ فِي بَيْتِ وَجَعَل مِفْتَاحِه الْكَذِب ، إذَا نَشِطْت الْقُلُوب فأودعوها وَإِذَا نَفَرَت فودعوها . اللِّحَاق بِمَن تَرْجُو خَيْرٌ مِنْ الْمَقَامِ مَعَ مَنْ لَا تَأْمَنْ شَرِّه ، مِنْ أَكْثَرِ الْمَنَام رَأَى الْأَحْلَام (الظاهر أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْنِي أَنَّ طَلَبَ الدُّنْيَا كَالنَّوْم وَمَا يَصِيرُ مِنْهَا كالحلم) .
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : الْجَهْل خَصْم وَالْحِلْم حُكْم ، وَلَمْ يَعْرِفْ رَاحَةٌ الْقَلْبِ مِنْ لَمْ يجرعه الْحِلْم غُصَص الغَيْظ . إذَا كَانَ الْمَقْضِيُّ كَائِنًا فالضراعة لِمَاذَا ؟ نَائِل الْكَرِيم يحببك إلَيْه وَنَائِل اللَّئِيم يضعك لَدَيْه ، مَنْ كَانَ الْوَرَعُ سَجِيَّتِه ، وَالْإِفْضَال حِلْيَتُه انْتَصَر مِنْ أَعْدَائِهِ بِحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، وَتَحَصَّن بِالذِّكْر الْجَمِيلِ مِنْ وُصُولِ نَقَص إلَيْه .
وَقَالَ بَعْضُ الثِّقَاتِ : وُجِدَت بِخَطِّه عَلَيْهِ السَّلَامُ مَكْتُوبًا عَلَى ظَهْرِ كِتَابِ : قَد صَعِدْنَا ذُرَى الْحَقَائِق بِأَقْدَام النُّبُوَّة وَالْوِلَايَة ، ونورنا السَّبْع الطَّرَائِق بِأَعْلَام الْفُتُوَّة ، فَنَحْن ليوث الْوَغَى ، وغيوث النَّدَى ، وَفِينَا السَّيْف وَالْقَلْم فِي الْعَاجِلِ ، وَلِوَاءٌ الْحَمْد وَالْعِلْمُ فِي الْأَجَلِ ، وأسباطنا خُلَفَاءِ الدِّينِ وَحُلَفَاءِ الْيَقِينِ ، وَمَصَابِيح الْأُمَم ، وَمَفَاتِيحِ الْكَرَمِ ، فالكليم أَلْبَس حِلِّه الاصطفاء لِمَا عَهِدْنَا مِنْه الْوَفَاء ، وَرُوحُ الْقُدْسِ فِي جِنَانٌ الصَّاقُورَة ذَاقَ مِنْ حدائقنا الْبَاكُورَة [1] وشيعتنا الْفِئَة النَّاجِيَة ، وَالْفُرْقَة الزَّاكِيَة ، صَارُوا لَنَا رِدَاء وَصَوْنًا وَعَلَى الظَّلَمَة إلبا وَعَوْنًا ، وسينفجر لَهُم يَنَابِيع الْحَيَوَانُ بَعْدَ لَظَى النِّيرَان لِتَمَام الطواوية والطواسين مِنْ السِّنِينَ .
أَقُول : هَذِه حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ وَنِعْمَةٌ سَابِغَةٌ تُسْمِعْهَا الْأَذَان الصُّمّ وَتَقْصُر عَلَيْهَا الْجِبَالَ الشَّمّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ .
الدُّرَّة الْبَاهِرَة مَخْطوط .