مَوَاعِظ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ .
سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ : ابْنُ مَسْرُوقٍ أَبُو عبداللّه الثَّوْرِىّ : أَسْنَد عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِ الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ رِجَالٌ الشَّيْخ (162) .
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ بْنِ مَسْرُوقٍ الثَّوْرِيِّ (97 هـ-161 هـ) فَقِيهٌ كُوفِي ، وَأَحَدُ أَعْلَامِ الزُّهْد عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِمَامُ مَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ النَّبَوِيّ ، وَوَاحِدٌ مِنْ تَابِعِيٌّ التَّابِعِين . وَلَد سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ سُنَّةٌ 97 هـ ، فِي خِلَافِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فِي خُرَاسَان ، حَيْثُ كَانَ أَبُوهُ مشاركًا فِي الحملات الَّتِي كَانَتْ تَرَسَّل إلَى هُنَاكَ ، كَمَا يُذكر أَنَّ جَدَّهُ مَسْرُوق شَهِد مَوْقِعَه الْجَمَلُ فِي صُفُوفِ جَيْش عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ ).
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ : دَخَلْتُ عَلَى الصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُلْت لَهُ : أَوْصِنِي بِوَصِيَّةٍ أَحْفَظُهَا مِنْ بَعْدِك ؟ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : وَتَحْفَظ يَا سُفْيَانُ ؟ قُلْت : أَجَلْ يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَا سُفْيَانُ : لَا مُرُوه لِكَذُوب ، وَلَا رَاحَةَ لِحَسُودٍ ، وَلَا إخَاءَ لملوك ، وَلَا خَلَّةَ لمختال . وَلَا سُؤْدُدَ لِسِيّ الْخَلْق [1] .[1] وفى بعض النسخ " لختال ". والسودد والسؤدد: الشرف والمجد.
ثُمَّ أَمْسَكَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُلْت :يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ زِدْنِي ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : يَا سُفْيَانُ ثق بِاَللَّه تَكُن عَارِفًا . وَارْضَ بِمَا قَسَمَهُ لَك تَكُنْ غَنِيًّا . صَاحِب بِمِثْلِ مَا يصاحبونك بِه تَزْدَد إيمَانًا . وَلَا تُصَاحِب الْفَاجِرَ فَيُعَلِّمَك مِنْ فُجُورِهِ . وَشَاوِرْ فِي أَمْرِك الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ .
ثُمَّ أَمْسَكَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُلْت :
يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ زِدْنِي ؟ فَقَالَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ
: يَا سُفْيَانُ مِنْ أَرَادَ عِزًّا بِلَا سُلْطَانِ وَكَثْرَة بِلَا إخَوَان وَهَيْبَةً بِلَا مَالٍ فَلْيَنْتَقِل مِنْ ذُلِّ مَعَاصِي اللَّهِ إلَى عِزّ طَاعَتِه .
ثُمَّ أَمْسَكَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُلْت : يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ زِدْنِي ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : يَا سُفْيَانُ أَدَّبَنِي أَبِي عَلَيْهِ السَّلَامُ بِثَلَاث وَنَهَانِي عَنْ ثَلَاثِ : فَأَمَّا اللَّوَاتِي أَدَّبَنِي بِهِنّ فَإِنَّهُ قَالَ لِي : يَا بُنَيَّ مَنْ يَصْحَبْ صَاحِبَ السُّوءِ لَا يَسْلَمُ . وَمَنْ لَا يُقَيَّدُ أَلْفَاظِه يَنْدَم ، وَمَنْ يَدْخُلْ مَدَاخِلَ السُّوءِ يُتَّهَمْ .
قُلْت : يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ فَمَا الثَّلَاث اللَّوَاتِي نَهَاك عَنْهُنّ ؟ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : نَهَانِي أَنْ أَصْحَابَ حَاسِدَ نِعْمَةٍ ، وشامتا بِمُصِيبَة ، أَوْ حَامِلٌ نَمِيمَةٌ .
2 - وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُلْت : كَيْفَ أَصْبَحْت يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : وَاللَّهِ إِنِّي لمحزون ، وَإِنِّي لِمُشْتَغِل الْقَلْب فَقُلْتُ لَهُ : وَمَا أحزنك ؟ وَمَا شُغِل قَلْبِك ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيُّ :
يَا ثَوْرِيٌّ أَنَّهُ مِنْ دَاخِلِ قَلْبِه صَافِي خَالِصٌ دِينِ اللَّهِ شَغَلَهُ عَمَّا سِوَاهُ .
يَا ثَوْرِيٌّ مَا الدُّنْيَا ؟ وَمَا عَسَى أَنْ تَكُونَ ؟ هَل الدُّنْيَا إلَّا أَكْل أَكَلَتْه ، أَوْ ثَوْبٍ لَبِسَتْه ، أَوْ مُرَكَّبٍ رُكْبَتِه ، إنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يطمئنوا فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَأْمَنُوا قُدُوم الْآخِرَة . دَارِ الدُّنْيَا دَارُ زَوَال وَدَارُ الْآخِرَةِ دَارَ قَرَارٍ أَهْلِ الدُّنْيَا أَهْلُ غَفْلَة . إنَّ أَهْلَ التَّقْوَى أَخَفّ أَهْلِ الدُّنْيَا مَؤُونَة وَأَكْثَرُهُم مَعُونَة ، إنْ نَسِيَتْ ذكروك وَإِن ذكروك أعلموك ، فَأَنْزَل الدُّنْيَا كمنزل نزلته فارتحلت عَنْه ، أَوْ كَمَالُ أَصَبْته فِي مَنَامِكَ فَاسْتَيْقَظْت وَلَيْسَ فِي يَدِك شَيّ مِنْه . فَكَمْ مِنْ حَرِيصٍ عَلَى أَمْرٍ قَدْ شِقِّى بِهِ حِينَ أَتَاهُ . وَكَمْ مِنْ تَارِكٍ لِأَمْر قَد سَعْدٍ بِهِ حِينَ أَتَاهُ .
التحف ص 357.